الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ} شؤمه وسعده الذي هو نتيجة عمله في دنياه من خير أو شر، وهو نصيبه وحظه الذي قسمناه له في الأزل مما يتشاءم أو ينفاءل فيه وطوقناه {فِي عُنُقِهِ} كالقلادة، وخصّ العنق لأنه مما يزين أو يشين، فإن كان عمله صالحا كان زينة له كالحلى، وإن كان طالحا كان مشينا كالغل، أعاذنا اللّه، ومعنى اللزوم كناية عن عدم المفارقة له {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتابًا} مثبتا فيه عمله في دنياه ليحاسب عليه يوم البعث {يَلْقاهُ مَنْشُورًا} 13 أمامه ليطلع عليه ويعلم أن ملائكة اللّه لم تظلمه بشيء ولم تنقص من عمله شيئا لأن هذا الكتاب قد سجله الحفظة الموكلون به وضبطوا فيه حركاته وسكناته، فإذا مات طوى وحفظ بمكان عند اللّه، فإذا بعث من قبره أخرج وعرض عليه في موقف الحساب ويقال له {اقْرَأْ كِتابَكَ} الذي دونّاه في حسناتك وسيئاتك، وانظر إلى عللها وأسبابها وأزمنتها وأمكنتها، وتأمل هل ظلمك الملك بكتابة ما لم تفعله أو بعدم كتابة ما فعلته من شر أو خير؟ ويعطي اللّه تعالى إذ ذاك كل أحد قوة القراءة ليشهد هو على نفسه، ولهذا المغزى يشير قوله تعالى: {كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} 14 وهذا غاية في العدل ونهاية في الإنصاف إذ اكتفى اللّه من عبده أن يكون هو محاسبا لنفسه فلم يبق في حاجة إلى استشهاد الشهود والطعن فيهم، وهذا مظهر قوله تعالى: في الآية 29 من سورة ق المارة {وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} ونظائرها إذ لا يؤاخذ اللّه أحدا إلا باعترافه الاختياري، لأنه أولا لا يستطيع أن ينطق بغير الواقع، ثانيا إذا سكت أو تعلثم نطقت جوارحه بما اقترفت، فيسأل عنها فلا يقدر أن أن ينكر شيئا وما بعد الاعتراف حجة.قال الحسن: لقد عدل عليك من جعلك حسيب نفسك.وقيل إن الكافر يقول يا رب إنك لست بظلام، فاجعلني أحاسب نفسي.وقيل إنه يقول يا رب لا أقبل علي شاهدا من غيري، فيقال له: {اقرأ كتابك} إلخ.والباء في بنفسك للتأكيد ويجوز إسقاطها في غير القرآن ورفع الاسم بعدها وعليه قوله:
وقوله: والمراد بالنفس ذات الإنسان وشخصه، وما قيل إن المراد بالنفس جوارح الإنسان لا يتأتى هنا، لأنه على خلاف ظاهر الآية، قال تعالى: {مَنِ اهْتَدى} في هذه الدنيا بهداية هذا القرآن وعمل بما فيه من الأحكام وآمن بمنزله والمنزل عليه {فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} فيعود نفع هداه لهالا يتخطاها إلى غيره {وَمَنْ ضَلَّ} هداه وخالف ما جاءه فيه {فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها} فيعود وبال ضلاله على نفسه خاصة {وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وزر أخرى} وهذه الجملة كالتأكيد لما قبلها، أي لا تحمل نفس حاملة لوزرها وزر نفس أخرى غيرها، فلا يؤاخذ أحد بذنب الآخر قريبا كان أو بعيدا بل كل أحد مختص بذنبه، وهذه شريعة إبراهيم عليه السلام فمن بعده وكانت شريعة من قبله جارية بمؤاخذة القريب بقريبه، راجع الآية 68 من سورة والنجم المارة، وكانت هذه العادة في الجاهلية ثم نفاها الإسلام، ولكن أعراب البادية حتى الآن متمسكون فيها ولا حول ولا قوة إلا باللّه.وانهم كانوا في مبادئ الإسلام أشد كفرا ونفاقا راجع الآية 96 من سورة التوبة في ج 3، وهم الآن أشد عتوا وبغيا وطغيانا وعنادا، لأنهم حتى الآن لا يعرفون من الدين إلا اسمه ومن الشرع إلا رسمه.قال ابن عباس نزلت هذه الآية في الوليد بن المغيرة لما قال لقومه اكفروا بمحمد وعلي أوزاركم، إلا أن لفظ الآية عام فبقاؤها على عمومها أولى، فيدخل فيها هو وغيره ممن على شاكلته.
|